أخبار عربية – مقالات
كريستابيل نجم
الفراقُ هو انتهاءُ علاقةٍ ما بين شخصين أو أكثرَ بدافعِ أسبابٍ وجيزةٍ دامت لفترةٍ محددةٍ فخلَّفتها بدايةٌ جديدةٌ لكلّ منهم خارجَ عالمِ الآخر. الموتُ هو انتهاءٌ حتميٌّ لحياةِ الكائنِ وكيانه فتتوقفُ النشاطاتُ الحيوية لديه عن العمل إلى الأبد وتكون عودتَه لمزاولَتها غير مألوفة بتاتًا.
هنا يكون خيرُ التعريفِ مبرمجًا موثقًا ما بين مؤرّخات الحياة وأسيادها من محبةٍ وكراهية، إخلاصٍ وخيانة، سعادةٍ وحزن، كلّها تجتاحُ نمطَ حياةٍ معينٍ فتفرضُ نفسها على الفرد دون سابقِ إنذارٍ ليدعو البعضُ هذه المواقفَ بالحظِّ والقدرِ المجهول.
وعودةً لكلمة “الموت”، فهي تنسبُ أيضًا إلى ما يسمّى بالقدرِ الملزَمِ على الفرد سواءً نغفلُ مكانَه وزمانَه أو نشعرُ به من على بعد. فماذا لو تشاركنا سويًا المحافظةَ على حياة الآخر قدرَ المستطاع؟ أيصعبُ على الإنسان أن يولدَ من رحم؟ لا، بل يُمنع من إنهاءِ نظيرِه الّذي وُلدَ من ذاك الرحمِ يومًا ما. فكلّ مَن شاركَ شخصًا بالقتلِ المُتعمّدِ أو عُيِّن به أو مارسَه عن قصدٍ وإصرارٍ يستحقُّ السجنَ المؤبد.
ولا يكون ذاك النوعَ من القتلِ المُتعمّد دفاعًا عن النفس أو مقابلَ أجرٍ محدّدٍ أو مقابلَ إنعاشِ حياةِ شخصٍ آخرَ فحسب ولا يمارسَ عن طريق استخدام الخنق، الطعن بآلةٍ حادةٍ أو بالمسدس وغيرها من الأساليب الإجرامية العديدة، لا بل يكون أيضًا عن طريق نقلِ وباءٍ منتشرٍ داخلَ مجتمعٍ واحدٍ وكونٍ موحد.
أكثر من 5000 حالة كورونا يوميًا ولا يزال البعضُ يتنعّمِ بحياةٍ فارغةٍ من الأخلاق والتفكيرِ السليمِ ليغادروا منازلهم فيرتكبون جرمًا بليغًا بحقِّ أحبائهم ومَن حولهم. أكثر من 5000 حالة كورونا يوميًا والمستشفيات خرجت عن حدِّ السيطرةِ لاستقبالِ من هم أكثرَ حاجةً لعلاجِ فوريّ. أكثر من 5000 حالة كورونا يوميًا والدولةُ اللبنانيةُ اعتكفَت تحمُّلَ المسؤولية عن مجرياتِ الفسادِ العلاجيّ وتلقّي اللّقاحات اللّازمة في الوقت المناسب. أكثر من 5000 حالة كورونا يوميًا ولبنان لا يزل يفقدُ مواطنيه كبارًا وصغارًا على التوالي حتّى بعد اغتيالِ عاصمتِه بيروتَ وأفرادها.
هذا الوباءُ المنتشرُ يتعمّدُ قتلَ فريسته في المرّة الأولى ولربّما في المرّة الثانية أو الثالثة، وإن هزمته تلكَ الأخيرةُ لا يعتكفَ شرَّه مجاراتها فحسب إنّما يُلحقُ الأذى بكلّ من رأته عيناها يومًا. هذا الفيروس القاتل ومنذ ولادته لم يفرّقْ ما بين البشرِ بل اجتاحَ العالمَ بأسره. لم يُتقن التّمييزَ ما بين الفراق والموت بل جعلهما متساويين، ففارقَ الحياة كلّ من وقف بوجهته.
ألفُ تحيةٍ إلى كلّ من أخذ التدابيرَ والإحتياطات اللازمة وامتحنَه الصبرُ البقاء َ في المنزل وحماية ذويه وسلامتهم. ألفُ شكرٍ إلى كافةِ الطواقم الطّبية وتضحياتهم الباسلة. ألف وداعٍ إلى كلّ من غيَّبه الموتُ وأدخلَه دوامةَ الفراق الأبدي. وكما قال أحد الفلاسفة: “الدموعُ لا تسترّدَ المفقودين ولا الضائعين ولا تجترح المعجزات. كلّ دموعِ الأرض لا تستطيع أن تحملَ زورقًا صغيرًا يتّسّع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود”.