أخبار عربية – بيروت
منذ أكتوبر 2019، شهد لبنان احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد مكونات الطبقة السياسية برمتها، أطلق عليها اسم “ثورة 17 تشرين” وترافقت مع أزمات متتالية من انهيار اقتصادي إلى انتشار وباء “كوفيد-19” وصولاً إلى انفجار دام ومدمر هز العاصمة بيروت.
ومن المتوقع أن تشهد بيروت، السبت، مسيرات شعبية حاشدة حيث استكملت مساء أمس الجمعة استعدادات إحياء الذكرى الأولى لانطلاقة “ثورة 17 تشرين” من خلال وضع اللمسات التنظيمية الأخيرة على المسيرة التي ستجوب مختلف شوارع العاصمة وتتوقف في محطات أساسية على مداخل وزارات ومؤسسات.
ووضع المنظمون شعلة “ثورة 17 تشرين”، مقابل مرفأ بيروت المدمر، إذ من المقرر إضاءتها في ختام التحرك تأكيداً على استمرار الانتفاضة وعلى حق ضحايا جريمة الرابع من أغسطس.
ويقول المحامي علي عباس الذي يشارك في الحراك الشعبي منذ انطلاقه في أكتوبر العام الماضي، لموقع “أخبار عربية” إن الثورة نجحت في تحقيق الكثير من المكاسب لاسيما استقالة الحكومة بعد أيام قليلة على بدء التظاهرات، إلا أنه أوضح أن عملية التغيير صعبة في ظل تغلغل فساد الطبقة السياسية في مختلف أركان الدولة على مدى 30 عاماً.
وأوضح عضو “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد” أن الطبقة الحاكمة تلعب على الوتر الطائفي داخل الثورة من أجل خرقها وتشتيتها، مشيراً إلى أن بعض الأحزاب تحاول “ركوب الموجة” والبعض يحاول إنهاكها عبر إبراز المواضيع الخلافية ومنها مسألة سلاح “حزب الله”، بينما يحاول آخرون تصويرها على أنها ثورة عنفية.
وأكد عباس أن الثورة تهدف إلى التغيير بالطرق الدستورية وليست مجموعة هدفها الانقلاب على النظام للوصول إلى سدة الحكم، داعياً مناصري أحزاب السلطة إلى الانخراط في الحراك ومسائلة زعماء أحزابهم عن مصدر ثرائهم.
وشدد على أن عبارة “كلن يعني كلن” التي ترددت منذ بدء الاحتجاجات، تعني أن كل من تعاقب على الحكم خلال السنوات الثلاثين الماضية هو مدان حتى إثبات العكس.
وندد عباس بالقمع الذي ازدادت وتيرته منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر 2019، مؤكداً أنه ومحامون آخرون وثقوا العديد من الانتهاكات ويحضرون ملفات لإرسالها إلى منظمات حقوق الإنسان.
وأشار إلى أن الحركة الاحتجاجية قد تكون “من أصعب الثورات في العالم” نتيجة القمع الشديد الذي تعرضت له، سواء بالعنف خلال فض الاعتصامات أو الاستدعاءات العشوائية بحق الناشطين، حتى بلغت حد استدعاء أشخاص بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وحول انفجار بيروت، دعا عباس المتضررين -وهو أحدهم حيث تضرر منزله بمنطقة الأشرفية- إلى التقدم بشكاوى جماعية ضد المتورطين ضمن التحقيق الذي يقوم به القاضي فادي صوان في المجلس العدلي. كما يمكن لحاملي الجنسيات المزدوجة أو الأجانب الذين طالتهم أضرار التفجير، تقديم دعاوى قضائية ضد السلطات اللبنانية في الدول التي يحملون جنسيتها. كما أطلق “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد” حملة شعبية ضمن فعالية “الحملة الوطنية للمحاسبة بانفجار المرفأ” تحت عنوان “القصاص الآن!”، لمتابعة القضية.
وأردف قائلاً: “الرئيس الفرنسي نزل بين الناس بعد انفجار المرفأ وهم (الزعماء اللبنانيين) لم يتفقدوا عائلة واحدة متضررة لأن الشعب لفظهم”.
وقال إن السبيل الوحيد لخلاص لبنان من الأزمة الاقتصادية هو عبر إعادة الأموال المنهوبة، معلناً أنه سيتم تقديم شكاوى قانونية لدى الدول الأجنبية لدعوة تلك الدول إلى تجميد حسابات السياسيين اللبنانيين. وأكد على ضوروة فرض المجتمع الدولي عقوبات على الطبقة الحاكمة لإجبارهم على إعادة تلك الأموال.
أما بخصوص عودة اسم سعد الحريري إلى التداول لرئاسة الحكومة، فأكد أن الحراك سيرفضه مجدداً وسيقوم بإسقاط أي حكومة تشبه الحكومات التي سبقت احتجاجات أكتوبر.
وعن ذكرى انطلاق الاحتجاجات، قال عباس: “تحركات السبت ستكون المعيار الذي يحدد إن كانت ثورة 17 تشرين ستنهض من جديد، أو أنها دفنت نفسها بنفسها. في هذه الحالة، سنكون بحاجة إلى التحضير لثورة ثانية”.
وفي ما يلي التسلسل الزمني للأحداث في لبنان منذ بدء “ثورة 17 تشرين”:
“شرارة واتساب”
في 17 أكتوبر 2019، أعلنت الحكومة اللبنانية عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل “واتساب”.
وقد فجر ذلك غضب لبنانيين كانوا بدأوا قبل أسابيع تلمس مؤشرات أزمة اقتصادية حادة، فنزلوا إلى الشوارع تعبيراً عن رفضهم القرار، مرددين شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”.
ورغم تراجع الحكومة برئاسة سعد الحريري عن فرض الرسم المالي، استمرت الاحتجاجات الشعبية بالتوسع. وفي 18 أكتوبر، أغلقت المدارس والجامعات والمصارف والمؤسسات العامة أبوابها. وفي 20 منه، بلغ الحراك الشعبي ذروته مع تظاهر مئات الآلاف في كل أنحاء البلاد. وطالبت التظاهرات برحيل الطبقة الحاكمة التي لم يمسها تغيير جوهري منذ عقود والمتهمة بالفساد وبعدم الكفاءة.
استقالة الحريري
وفي 29 أكتوبر، وعلى وقع غضب الشارع، أعلن سعد الحريري استقالة حكومته. وفي 12 نوفمبر، اقترح الرئيس اللبناني ميشال عون تشكيل حكومة من اختصاصيين وسياسيين، ما رفضه المحتجون الذين كانوا يصرون على تشكيل حكومة مستقلين من خارج الأحزاب السياسية التقليدية.
كما أثار عون غضبهم أكثر عبر قوله في مقابلة تلفزيونية: “إذا لم يجدوا (المتظاهرون) أوادم (أي أشخاصاً صالحين) في هذه الدولة، فليهاجروا”.
تكليف حسان دياب
واشترطت مجموعة الدعم الدولية للبنان التي اجتمعت بباريس، في 11 ديسمبر، تشكيل حكومة “فاعلة وذات صدقية” تجري إصلاحات “عاجلة” لتقديم أي مساعدة مالية.
وفي 19 ديسمبر، كلف حسان دياب وهو وزير سابق وأستاذ جامعي، تشكيل حكومة بدعم من عون و”حزب الله”، وسط رفض أحزاب سياسية أخرى.
مواجهات عنيفة في بيروت
وفي 11 يناير 2020، استأنف المتظاهرون، الذين رأوا أن دياب يمثل طرفاً سياسياً، احتجاجاتهم بعدما تراجعت بفترة الأعياد. وفي 14 و15 من الشهر نفسه، شهدت العاصمة مواجهات ليلية عنيفة بين القوى الأمنية ومتظاهرين حطموا واجهات عدة مصارف، ورشقوا الحجارة باتجاه القوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة.
وفي 18 منه، جُرح في بيروت ما لا يقل عن 546 شخصاً، هم متظاهرون وعناصر من القوى الأمنية، في صدامات كانت الأعنف منذ بدء الحراك الشعبي.
حكومة جديدة
وفي 21 يناير، ولدت الحكومة الجديدة مؤلفة من اختصاصيين سماهم ما يسمى تحالف “8 آذار” الذي يشكل أحد قطبي الحكم في لبنان إلى جانب ما كان يعرف سابقاً بفيرق “14 آذار”.
وحازت الحكومة ثقة البرلمان في 11 فبراير، واندلعت صدامات بين متظاهرين وقوات الأمن أسفرت عن أكثر من 370 جريحاً، وفق أرقام الصليب الأحمر اللبناني.
تخلف عن السداد
إلى ذلك، أعلن دياب في 7 مارس أن لبنان “سيعلق” سداد دين بقيمة 1,2 مليار دولار يستحق في التاسع منه، مؤكداً أن “الدولة اللبنانية ستسعى إلى إعادة هيكلة ديونها”.
وفي 23 منه، أعلنت وزارة المالية “التوقف عن دفع جميع سندات اليوروبوند المستحقة بالدولار”. كما أعلنت الحكومة في 30 أبريل خطة إنعاش اقتصادي وطلبت مساعدة صندوق النقد الدولي. وفي 13 مايو، انطلقت مفاوضات لبنان مع الصندوق.
انهيار قيمة الليرة
وفي منتصف يونيو، اندلعت احتجاجات جديدة في البلاد عقب تراجع قيمة الليرة اللبنانية إلى حدود غير مسبوقة. وترافق التراجع مع إغلاق متاجر أبوابها وصرف العديد من العمال والموظفين عقب أزمة تفشي وباء “كوفيد-19” الناجم عن فيروس كورونا المستجد.
كما عُقدت آخر جلسة مع صندوق النقد الدولي في 10 يوليو قبل أن تعلق المفاوضات بانتظار توحيد المفاوضين اللبنانيين تقديراتهم لحجم الخسائر وكيفية وضع الإصلاحات قيد التنفيذ.
وفي 23 و24 يوليو، زار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لبنان، وطالب بإصلاحات منتظرة “منذ وقت طويل”.
انفجار بيروت
وفي الرابع من أغسطس، وقع انفجار ضخم في مرفأ بيروت طالت أضراره الجسيمة أحياء عدة في العاصمة، وأسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، وإصابة أكثر من 6500 آخرين.
وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت في السادس من أغسطس، داعياً إلى “تغيير” في النظام، معلناً عن مؤتمر دولي لدعم لبنان بعد الانفجار على أن يزور لبنان مجدداً في الأول من سبتمبر.
كما تعهد المجتمع الدولي بعد ثلاثة أيام تقديم مساعدة طارئة للبنان بقيمة 300 مليون دولار على ألا تمر عبر مؤسسات الدولة.
استقالة دياب
وفي الثامن من أغسطس، تظاهر آلاف اللبنانيين ضد المسؤولين السياسيين الذين يحملونهم مسؤولية المأساة، التي تبين أنها ناتجة عن انفجار مئات الأطنان من مادة نيترات الأمونيوم المخزنة منذ سنوات في المرفأ من دون أي إجراءات وقاية.
وشهدت التظاهرات مواجهات عنيفة بين محتجين غاضبين والقوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة والرصاص المطاط. وفي العاشر من أغسطس، استقالت حكومة حسان دياب.
تكليف واعتذار أديب
وفي 31 أغسطس، استبق السياسيون اللبنانيون زيارة ماكرون الثانية بالاتفاق على تكليف سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب تشكيل الحكومة الجديدة.
وعاد ماكرون إلى لبنان في الأول من سبتمبر ليعلن عن مبادرة فرنسية والتزام السياسيين اللبنانيين تشكيل حكومة في مدة أقصاها أسبوعان.
إلى ذلك، اعتذر أديب في 26 سبتمبر عن تشكيل الحكومة بعدما اصطدم بشروط سياسية. وفي اليوم التالي، استهجن ماكرون خلال مؤتمر صحافي في باريس “خيانة” الطبقة السياسية اللبنانية بعد إخفاقها في تشكيل الحكومة، وأعلن عن مهلة ثانية تراوح بين أربعة إلى ستة أسابيع.
عودة الحريري
وفي الثامن من أكتوبر، أعلن سعد الحريري أنه مرشح محتمل لتشكيل الحكومة ثم أطلق مشاورات مع الكتل السياسية البارزة للتأكد من استمرار التزامها الورقة الفرنسية وموقفها من تشكيله للحكومة.
ومن المفترض أن تنطلق المشاورات النيابية لاختيار رئيس وزراء جديد الخميس المقبل، بعد أن قرر رئيس الجمهورية ميشال عون تأجيلها لأسبوع “لبروز صعوبات تستوجب العمل على حلها”.