تركيا وإيران.. خلاف أيديولوجي واتفاق على استثمار الدين سياسياً

أخبار عربية – بيروت

رغم وجود العديد من الخلافات العقائدية والسياسية بين المتطرفين الشعية و”إخوانهم” السنة، إلا أن الطرفين اتفقا على العداء للعالم العربي، والولاء لدول أجنبية احتضنت أفكارهم السوداء.

الحديث هنا عن إيران بالنسبة للشيعة، وتركيا بالنسبة للسنة. فهاتان الدولتان تعملان على نشر الطائفية في المجتمعات العربية، عبر ميليشيات محلية مولتها في كل من سوريا وليبيا والعراق واليمن.

أحلام إمبراطورية

ولا تخفي طهران مطامعها في الجغرافيا العربية، وكذلك أنقرة، حيث يتحدث النظامين بصراحة عن الأحلام الإمبراطورية والمشاريع التوسعية في المنطقة.

نستشهد هنا بتصريح لعلي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، حين قال إن إيران إمبراطورية عاصمتها بغداد. كما قال وزير الاستخبارات الإيراني السابق، حيدر مصلحي، إن “إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية”، في إشارة إلى بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء، التي تنتشر فيها جماعات مسلحة تابعة للحرس الثوري الإيراني.

بدوره، يتحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دوماً بإعجاب عن أجداده العثمانيين، ويسعى عبر جماعة “الإخوان المسلمين” إلى السيطرة على الدول العربية لضمها إلى خلافته المزعومة.

واستشهد أردوغان بالبحار العثماني، خيرالدين بربروس، في سياق حديثة عن الخطوات التي تسعى لها بلاده في ليبيا، التي يتدخل في شؤونها الداخلية عبر دعم ميليشيات متطرفة في طرابلس للقتال ضد الجيش الوطني الليبي.

وقال في تصريح سابق: “ها نحن بصدد اتخاذ خطوات جديدة ومختلفة في كل من ليبيا وشرق البحر المتوسط. ونأمل في أن يحقق جنودنا في شرق المتوسط ملاحم بطولية كتلك التي حققها (أمير البحارة العثمانيين) خير الدين بربروس (1478-1546)، وهم بالفعل سيواصلون كتابة تلك الملاحم”.

عمليات عسكرية مشتركة

وعلى الرغم من الخلافات المعلنة بين النظامين الحاكمين في أنقرة وطهران، إلا أنهما يتفقان على العداء للعرب.. وللأكراد أيضاً.

ففي مارس من العام الماضي، أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو إن تركيا وإيران نفذتا عملية مشتركة ضد مسلحين أكراد في شمال العراق.

وتقاتل إيران وتركيا الجماعات الكردية المسلحة في كل من سوريا والعراق، ويشتركان في هدف منع قيام أي كيان كردي على حدودهما.

يأتي ذلك رغم الخلاف السياسي العميق بينهما في الملف السوري، حيث تدعم إيران حكومة دمشق، في حين تقف تركيا مع جماعات المعارضة التي تضم “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم “القاعدة”.

وتسببت التدخلات التركية والإيرانية في سوريا، سواء المباشرة أو عبر ميليشيات محلية، إلى تدمير مناطق واسعة من البلاد. وخلفت المعارك منذ العام 2011 أكثر من 380 ألف قتيل، ونزوح أكثر من نصف السكان.

وتسببت الحرب في سوريا بأكبر مأساة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب الأمم المتحدة.

تسييس الشعائر الدينية

وأعادت واقعة الصفا والمروة التي كان نجومها معتمرين أتراك من جماعة “الإخوان المسلمين” في فبراير الماضي، الأذهان إلى ما قامت به إيران في بعض مواسم الحج لتنفيذ سياساتها العدائية ضد السعودية.

ففي العام 2015، وقعت حادثة التدافع “المشبوهة” في مشعر منى، إذ نتج عن الحادثة وفاة عدد من الحجاج نتيجة حركة ارتداد عكسي خاطئة من قبل 300 حاج إيراني، تبين فيما بعد وجود عناصر من الحرس الثوري الإيراني حاولوا زعزعة تنظيم الحج واتهام المملكة بالتقصير.

وفي 1990، قام أفراد من ما يسمى “حزب الله الكويتي”، بإيعاز من إيران، بإطلاق الغاز السام في نفق المعيصم بالقرب من المسجد الحرام في مكة المكرمة، وبداخله الآلاف من الحجاج، مما أدى إلى مقتل أكثر من ألف حاج وحاجة وإصابة العديد.

وخلال موسم حج 1989، قامت مجموعة من الكويتيين الموالين للنظام الإيراني، بتفجيرات في مكة بعد تسليم المواد المتفجرة لهم من قبل مسؤول في السفارة الإيرانية في الكويت، يدعى محمد رضا غلوم ونتج عن ذلك قتل وجرح عدد من الحجاج.

وعام 1987، كشف رجال الأمن في السعودية عن كمية من المواد الخطرة شديدة الانفجار، وجدت داخل حقائب الحجاج الإيرانيين الذين قدموا إلى المملكة عبر مطار الملك عبد العزيز في جدة، على متن طائرة إيرانية كانت تقل 110 ركاب لأداء مناسك الحج.

ومن خلال واقعة الصفا والمروة، يبدو أن تركيا تسير على خطى إيران وتسعى إلى محاكاتها، رغم اختلاف الحسابات السياسية، وهو ما يؤكد المرجعية الواحدة التي تحكم تصرفات طهران وأنقرة، وتتمثل أساساً في استثمار الدين سياسياً بما يعظم حضورهما الدولي.

وفي تفاصيل تلك الواقعة، أظهر مقطع فيديو انتشر الشهر الماضي وروجت له وسائل إعلام تركية، عدداً من المسؤولين الأتراك في زي المعتمرين، وهم يهتفون للأقصى في قلب الحرم المكي، مرددين شعار “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”.

وجاء ذلك على الرغم من وجود علاقات طبيعية بين تركيا وإسرائيل، ولا تخفي أنقرة الراعية لجماعة “الإخوان المسلمين” تلك العلاقة.

الباحث في الشؤون السياسية والخبير في مكافحة الإرهاب، عبدالله البراق
مخالفة صريحة للقانون الدولي

وفي السياق، قال الباحث في الشؤون السياسية والخبير في مكافحة الإرهاب، عبدالله البراق، إن التدخلات التركية والإيرانية في شؤون بعض الدول في المنطقة “مخالفة صريحة للقوانين الدولية والأعراف المتبعة في التعاملات بين الدول”.

وأوضح البراق، في تصريحه لموقع “أخبار عربية”، أنه “عندما ننظر للظروف والتحديات التي تواجه المنطقة نجد أنها ترتكز على محورين أساسيين  في إنشائها وتطويرها ومحاولة تنظيمها، وهما النظام التركي والنظام الإيراني”.

وأضاف: “اتفقت مخططاتهم الاستراتيجية، في تصدير الثورة والثورات التي تقوم على أيديولوجية متطرفة تغذي العنف، وتهيئ مرتعاً للإرهاب الذي يسعى إلى إضعاف القوى العربية وتفتيت جيوشها وتفكيك مجتمعاتها”.

وأكد الباحث السعودي إن تركيا “تستند على أيديولوجية تنظيم الإخوان المسلمين والتي لها تأثير في أوساط العالم الإسلامي. كما تدعم الجماعات الإرهابية المنبثقة من عباءة جماعة الإخوان، مثل داعش وما تفرع منها والقاعدة وما تفرع منها”.

وتابع قائلاً: “بنفس الأسلوب، يقوم النظام الإيراني بدعم عموم الإرهاب ومكوناته في المنطقة في عالمها السني والشيعي، وجميع ما يمر في المنطقة وخصوصاً في سوريا ولبنان وليبيا واليمن يعد أكبر شاهد للخطوات الغير منضبطة والغير شرعية لهذان النظامان”.

واعتبر البراق أن المخططات التي تقوم بها أنقرة وطهران “لا تخدم الأمن القومي الاستراتيجي، مما يجعلهما في دائرة الاتهام بتنفيذ أجندات خارجية لازلاق المنطقة برمتها في متاهة الإرهاب والتقسيم ونهب الثروات”.

تدخلات خارج المنطقة العربية

وأكد البراق أن إيران لا تملك القوة الحقيقية، وكذلك تركيا، مؤكداً إنه “لولا غض الطرف الغربي عنهم ووضع حدود في كيفية التعامل معهم لما كان لهم هذا الانتشار، ولبينت قوتهم المستعارة من سلوكات المجتمع الدولي”.

وأوضح أن دول أجنبية تأذت من سلوك النظامين، وخاصةً إيران “فهي أيضاً تسعى لإشعال الطائفية والعرقية في باكستان كما يحدث في بلوشستان وغيرها، وفي نفس الوقت تقوم بتصفية القيادات العسكرية والسياسية والعقول المفكرة في طاجاكستان، وتدعم أيضاً الأحزاب اليسارية المتطرفة  في بعض دول أوروبا الشرقية، كجورجيا وأذربيجان، لزيادة الفرقة ومحاولة لإخلال الأمن”.

4 خطوات للتعامل مع الجماعات المتطرفة

أما كيفية التعامل مع الكتل والكيانات والجماعات الموالية لهذين النظامين، بحسب خبير مكافحة الإرهاب، فهي متفاوتة على حسب كل كتلة أو جماعة أو غيرها، أما التعامل مع الجماعات المتطرفة المسلحة يكون على عدة مراحل.

ويشرح البراق أن المرحلة الأولى هي “كشف الأيدلوجية الفكرية للجماعة، وتفنيد شبهها وإيضاح المسائل المتعلقة بين الحاكم والمحكوم، وتبيين معتقداتها الباطلة، حتى يتبين للمجتمعات ضلال هذه الجماعات وإظهارها بهيكلها الاستخباراتي الحقيقي”.

وبعد إظهار هذه الجماعات بوجهها الحقيقي الاستخباراتي “ننتقل للمرحلة الثانية وهي: العمل الأمني والاستخباراتي لتفكيك هذه المنظومات الاستخباراتية بخطوات مدروسة في كيفية تفكيك المنظومات الإرهابية والاستخباراتية”.

أما الخطوة الثالثة فهي “تحديد جغرافيا الإرهاب، والتي يتكاثر فيها، وعادة ما تكون في المناطق النائية التي لديها ضعف في مؤسساتها التعليمية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، كأفغانستان وإيران والعراق وسوريا واليمن وأفريقيا وغيرها، ودعمها بالعلم والمعرفة وجميع مستلزماتها الأساسية”.

والخطوة الرابعة، وفقاً للبراق، هي “تجفيف منابع الإرهاب المادية التي يتغذى منها، ودائماً ما تكون محصورة في الجمعيات الخيرية أو عصابات بيع النفط، أو بعض الأنشطة التجارية”.

وحول محاولة تسييس الشعائر الدينية، قال البراق: “توافق النظامان في ذلك، وقد سقطت أقنعتهم”.