أخبار عربية – سانتياغو
دعا الأمين العام لمنظمة البلدان الأميركية، لويس ألماغرو، حكومات أميركا اللاتينية إلى التوقف عند الأحداث التي تشهدها عدة دول في شبه القارة، واستخلاص العبر منها لتفادي تفاقم الأوضاع الاجتماعية وما يمكن أن تولده من احتجاجات “قد تقضي على منجزات السنوات الماضية التي تحققت بفضل تضحيات وجهود كبيرة”.
جاء ذلك خلال كلمة لألماغرو في ندوة نظمتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية في العاصمة التشيلية سانتياغو.
وكانت الندوة مبرمجة قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية في الـ18 من أكتوبر الماضي في تشيلي، التي تُعتبر قدوة في أميركا اللاتينية من حيث النمو الاقتصادي الذي حققته في العقود الثلاثة المنصرمة والاستقرار السياسي الذي تشهده منذ نهاية الحكم الديكتاتوري في العام 1990.
وقال الأمين العام للمنظمة التي تضم بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي إلى جانب الولايات المتحدة وتتخذ من واشنطن مقراً لها، إن “الدرس الأهم من الأزمة التشيلية هو عدم الوقوع في سراب أرقام الاقتصاد الكلي عندما تخفي وراءها ظروفاً اجتماعية صعبة”.
وأضاف: “ما أدهش الكثيرين في هذه الأزمة أن تشيلي كانت من أنجح البلدان في معركتها ضد التخلف، في الوقت الذي حققت تقدماً اقتصادياً مذهلاً إلى أن بلغ دخل الفرد في العام الماضي 15 ألف دولار سنوياً تعادل قدرة شرائية بقيمة 23 ألف دولار، مع ازدياد عدد أصحاب الدخل المتوسط وتراجع ملحوظ في نسبة البطالة”.
في غضون ذلك، تتواصل التعبئة والاحتجاجات الشعبية في معظم المدن التشيلية الكبرى بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من انفجار الأزمة، ومن المقرر أن تخرج مظاهرة مليونية في العاصمة سانتياغو، الأحد، رغم تراجع الحكومة عن حزمة قراراتها الاقتصادية والاعتذار العلني الذي قدمه الرئيس سيباستيان بينييرا.
وبعد سقوط 20 قتيلاً ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين، تبدو الحكومة عاجزة عن تهدئة الاحتجاجات التي تهدد بمزيد من العنف في الأيام المقبلة.
ويقول مراقبون محليون إن “المشكلة تكمن في انحباس القوى والأحزاب التشيلية ضمن فقاعة عزلتها عن الواقع الاجتماعي الذي يغلي على استياء منها.. وفي أن المباهاة بالنمو الاقتصادي لم تعد تحجب خيبة الكثيرين الذين لم ينعموا بهذا النمو”.
ويقول إيفان سواريز الباحث في جامعة سانتياغو، إن “المجتمع التشيلي يطالب بخدمات عامة في متناول الجميع بعد أن تبنت الحكومات الماضية السياسة الاقتصادية التي اتبعتها الديكتاتورية العسكرية وأحالت إلى القطاع الخاص معظم الخدمات التي تبقى عادة تحت إشراف القطاع العام، مثل الصحة والتعليم والمعاشات التقاعدية”، وفق ما نقلت عنه صحيفة “الشرق الأوسط”.
ويضيف سواريز، الذي أشرف على الدراسة التي أعدتها مؤخراً لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية عن الأوضاع الاجتماعية في شبه القارة، إن “ثمة حالة واضحة من الطلاق بين المواطنين ومن يُفترض أنهم يمثلونهم في المؤسسات، من حكومات ومعارضة على السواء، وشعوراً عميقاً بأن الغالبية بقيت على هامش التنمية التي تحققت في العقود الثلاثة المنصرمة”.
ويتخوف مراقبون دبلوماسيون في العاصمة التشيلية من الصعوبات التي تواجه الحكومة والمعارضة في إيجاد مخرج من هذه الأزمة، ويخشون من امتدادها إلى دول أخرى في أميركا اللاتينية تعيش صعوبات اقتصادية واجتماعية أقسى من تشيلي.
وتجدر الإشارة أن الرئيس التشيلي، الذي تأخر في التجاوب مع المطالب الاحتجاجية وركز خطابه في المرحلة الأولى على الناحية الأمنية متجاهلاً الأسباب الاجتماعية التي دفعت المواطنين للخروج إلى الشارع، وجد نفسه مضطراً لتكليف القوات المسلحة معالجة الوضع، ودفع بها خارج ثكناتها للمرة الأولى منذ سقوط الديكتاتورية، ما أثار مخاوف كبيرة من فتح شهية الجيش لاستعادة السيطرة على الحياة السياسية.
ولم ينفع استدراك بينييرا بإعلانه حزمة من الإجراءات الاجتماعية، مثل زيادة المعاشات التقاعدية بنسبة 20%، وتغيير معظم الوزراء السياسيين والاقتصاديين في حكومته، في تهدئة الوضع الذي ينذر بجولة جديدة من التصعيد، فيما تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها حتى بلغت حسب الاستطلاعات الأخيرة 14%.
وما يزيد من خطورة هذه الأزمة، في رأي دانييل مانسوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأنديز، أن “الطبقة الحاكمة فشلت في معالجة أسباب الاستياء الشعبي، واكتفت باستعراض برلماني ومشادات سياسية زادت من نقمة المواطنين الذين يشعرون بأن هذه الطبقة لا تمثلهم ولا تدافع عن مصالحهم”.