أخبار عربية – مقالات
أسعد الأسعد
بعد أن كان مشهد عودة التظاهرات المليونية إلى ساحات بيروت، بمسابة حلم بالنسبة للكثير من اللبنانيين.. أصبح هذا الحلم حقيقة مساء الخميس الماضي، في مشهد أعاد إلى الذاكرة تظاهرة “ثورة الأرز” المليونية في 14 آذار 2005، التي أدت إلى خروج الجيش السوري من لبنان.
لكن ما ميز “ثورة 17 تشرين 2019” عن ثورة عام 2005، هو مشاركة جميع فئات المجتمع فيها، من كل المناطق اللبنانية ومن مختلف الانتماءات الطائفية والحزبية. في 2005، انقصم الشارع اللبناني إلى “8 و14 آذار”، أما في 2019، توحد الجميع تحت راية “17 تشرين”.
طرابلس “عروس الثورة”
وكانت تظاهرات طرابلس الحاشدة، لافتة بكافة المعايير لجهة الحشد والتنظيم، والسلمية، حيث صدحت الأغاني والشعارات والهتافات ضد السلطة. وأطلق اللبنانيون على “عاصمة الشمال” لقب “عروس الثورة”، نظراً لسلمية التظاهرات فيها.
وكانت طرابلس، المعروفة بكونها أفقر مدينة على البحر المتوسط، توصف بأنها “تأوي الإرهاب”، بسبب تواجد جماعات متطرفة بغطاء سياسي داخل المدينة، يقال أنها تتبنى فكر “داعش”.
وشهدت المدينة جولات عديدة من العنف بين مسلحون إسلاميون وآخرون موالون للنظام السوري، لكن التظاهرات الأخيرة أثبتت أن الغالبية العظمى من سكان المدينة يرفضون كل أشكال التطرف والعنف والإرهاب.
ووجه أهالي طرابلس انتقادات لاذعة للقوى السياسية المتواجدة في المدينة الأفقر في لبنان، علماً أن سياسيين من المدينة يعدون من أغنى الأشخاص في لبنان والعالم.
وانتشرت على مواقع التواصل عبارة “استلموها 30 سنة عملوها (مدينة أشباح)، استلمها الشعب 6 أيام عملها (مدينة السلام)”، في إشارة إلى فشل السياسيون في تحسين أوضاع المدينة على مدى 30 عاماً.
“الشيعة ينتفضون”
وكانت “الصدمة الكبرى” بالنسبة للكثيرين، هي انضمام المناطق الشيعية التي يسيطر عليها “حزب الله”، إلى الحراك الشعبي، ومطالبة البيئة الشيعية بالتغيير والتخلص من القبضة الحديدية التي يفرضها الحزب المدعوم من إيران بالسلاح، ومعه حركة “أمل”.
صوت المعارضة الشيعية ليس جديداً على الساحة اللبنانية، فهناك الكثير من الشيعة ذات الانتماء العربي، يرفضون أن يكونوا أداة بيد إيران أو غيرها، لكن شركاء “حزب الله” في الحكم من الطوائف الأخرى يسعون دائماً إلى قمع هذا الصوت، كي يبقى نظام الحكم على شكله الحالي، أي نظام قائم على المحاصصة الطائفية، تشارك فيه أحزاب السلطة فقط لا غير.
لكن ثورة 17 تشرين غيرت كل المعادلات، وقلبت الطاولة على رؤوس الجميع، وأصبح المطلب الأساسي هو رحيل الطبقة الحاكمة بجميع رموزها، واستعادة الأموال المنهوبة، وتشكيل نظام جديد بعيد كل البعد عن المحاصصة الطائفية.
“ريتز لبناني”
وقالت التقارير إن الأموال المنهوبة في لبنان هي 800 مليار دولار. وقد ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن وزارة الخزانة الأميركية تقدر الرقم بـ800 مليار دولار أيضاً، معتبرة ذلك أكبر جريمة ارتكبت بحق الشعب اللبناني من 90% من الذين حكموا البلاد على كل الأصعدة.
وكان لافتاً مطالبة الكثير من المتظاهرين بـ”محمد بن سلمان لبناني” ليحتجز جميع الزعماء في “الريتز كارلتون” حتى استعادة الأموال المنهوبة، في إشارة إلى حملة ولي العهد السعودي ضد الفساد عام 2017، والتي طالت كبار المسؤولين بالإضافة إلى شخصيات من العائلة الحاكمة في المملكة.
لكن، هل سترحل الطبقة الحاكمة، المكونة من مجموعة من الفاسدين، وقادة ميليشيات الحرب الأهلية المعروفون أيضاً بـ”زعماء الطوائف”؟ هل سترحل تلك الطبقة، التي يشكل حزباً مصنفاً ضمن قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة وأوروبا وعدة دول عربية، عمودها الفقري؟ هل سيرحل “الحرامية” بكل بساطة، بعد كل ما سرقوه خلال 30 عاماً؟ لنفرض أن الجواب هو “نعم”، من سيحاكمهم إذاً؟
الحل في نموذجي مصر والسودان
الحل الوحيدة للأزمة، من وجهة نظري، هو عبر اتباع نموذج ثورتي مصر (2013) والسودان (2019)، حين قام الجيش المصري بعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، كما أطاح الجيش السوداني بنظام عمر البشير بعد 30 عاماً من الحكم.
على قائد الجيش اللبناني، العماد جوزيف عون، أن يتحرك على وجه السرعة، استجابةً لمطالب اللبنانيين في الشارع، عبر الإطاحة بنظام الميليشيات الطائفية واعتقال قادته من جميع الأحزاب والتيارات، تمهيداً للدخول في مرحلة انتقالية يتم في نهايتها إجراء انتخابات نيابية ورئاسية تُنتج طبقة سياسية جديدة في لبنان.
“سرقة الثورة”
البديل الوحيد عن “حكم العسكر”، في حال استمرار الحراك لأيام أو أسابيع قادمة دون استقالة الحكومة، سيكون في “حزب الله” الذي يحاول سرقة الثورة على طريقة “الإخوان المسلمين” في مصر عام 2011، وهو الأمر الذي يجب التنبه إليه والحذر منه.
لم تكن ثورة مصر ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، تطالب بقدوم حكماً إسلامياً للبلاد، لكن الإسلاميون كانوا البديل الوحيد حينها، قبل أن يعود الشعب ليخلعهم بدعم من الجيش بعد عام من صعودهم إلى الحكم.
لكي نتجنب تكرار هذا السيناريو في لبنان، على الجيش اللبناني التحرك بسرعة، ليقطع الطريق أمام أي محاولات لـ”سرقة الثورة” من قبل “حزب الله”، الذي يُعتبر من أبرز الأحزاب الحاكمة في النظام الحالي، ويجلب العقوبات الاقتصادية على لبنان من كل حدب وصوب.
الحكم العسكري -لمرحلة انتقالية محددة بفترة معينة- سوف يعيد لبنان إلى محيطه العربي والأسرة الدولية، ويعيد ثقة الشعب بالدولة عبر تشكيل حكومة اختصاصيين مكونة من عسكريين ومدنيين دعموا أو شاركوا في الحراك، تمهيداً لإجراء انتخابات نيابية على أساس قانون عصري لا طائفي، وصولاً إلى انتخاب رئيساً جديداً للبلاد مع نهاية الفترة الانتقالية.
إلى سيادة العماد عون.. أنقذ لبنان، استمع إلى صرخات مليوني لبناني في الشوارع والساحات، وافعل في لبنان ما فعله عبدالفتاح السيسي في مصر وعبدالفتاح البرهان في السودان.. فالبلد بحالة حرجة، والوقت ضيق!