وفي وقت تبحث به قطر عن مشترين لأصولها العقارية في أوروبا من أجل الحصول على السيولة اللازمة لتخفيف آثار المقاطعة التي تتعرض لها بسبب دعمها للجماعات الإرهابية، تجد الدوحة نفسها مضطرة إلى سحب 15 مليار دولار من ثروات البلاد المملوكة للشعب القطري من أجل دعم الحليف التركي.
ولم تتخذ هذه الخطوة إلا بعد تعرضها لضغوط من أنقرة حيث شنت الصحافة الموالية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هجوما حادا على النظام القطري بسبب صمته حيال الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد جراء التوتر المتصاعد مع الولايات المتحدة.
وعلى أثر الحملة الشعواء ولعدم إغضاب الحليف التركي، طار أمير قطر تميم بن حمد، الأربعاء الماضي، إلى أنقرة، حيث أعلنت الرئاسة التركية بعد لقاء تميم وأردوغان عن الوعد القطري بضخ 15 مليار دولار.
والأحد، كشفت تركيا وقطر عن اتفاق بقيمة 3 مليارات دولار للتبادل بالليرة والريال ضمن حزمة المساعدة القطرية، التي لم يتضح معالمها بشكل كلي.
وقال البنك المركزي التركي إن الاتفاق الذي وقع في الدوحة الجمعة، يهدف إلى “تسهيل التجارة الثنائية بعملتي البلدين ودعم استقرارهما الماليين”.
وتشير عملية تبادل العملات إلى حيازة كل طرف إلى ما يوازى 3 مليارات دولار من عملة الطرف الآخر، حيث ستتم عملية التبادل التجاري بين الجانبين بعملتيهما المحلية، في محاولة لتخفيف عبء الاعتماد على الدولار الأميركي والعملات الرئيسية الأخرى.
استنزاف ثروات القطريين
ويقول الخبير في الشؤون الخليجية فؤاد الهاشم لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “قطر مضطرة إلى اتخاذ هذه الخطوات التي تستنزف ثروة القطريين، في وقت تجد صعوبة في بيع بعض أصولها في أوروبا”.
ويوضح الهاشم أن الدوحة تواجه غضبا من الحليف التركي الذي يرى أنه وقف بجانبها عبر إرسال آلاف الجنود إلى الدوحة وأرسل المنتجات التركية إلى السوق القطرية، حتى وإن كان بأضعاف أسعارها.
ولا تستطيع قطر رفض مساعدة تركيا التي برزت إلى جانب إيران كداعمين للدوحة، التي يطالبها المجتمع الدولي بوقف تمويل الإرهاب، و”بالطبع لا تريد المخاطرة بخسارة الحليف التركي بينما يواجه الحليف الإيراني عقوبات أميركية غير مسبوقة”.
وضاعف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرسوم الجمركية على تعرفة الألومنيوم والفولاذ التركيين، فردت تركيا بزيادة الرسوم الجمركية على العديد من المنتجات الأميركية، وهددت بالرد بالمثل إذا فرضت واشنطن مزيدا من العقوبات.
وتراجعت الليرة من 4.7 مقابل الدولار إلى 6.4 مقابل الدولار بعدما تخطت في وقت سابق حاجز السبعة ليرات في مقابل العملة الأميركية، وهو ما يمثل انهيارا غير مسبوق في قيمة العمة التركية.
ماكينة صرف “مجبرة”
واعتبر الهاشم أن سحب 15 مليار دولار من أموال الشعب القطري من أجل إرضاء الحليف، حوّل الدوحة إلى “ماكينة صرف آلي تحت طلب أنقرة التي بعثت إشارات قوية عبر الصحافة بأن مساندتها للنظام القطري ليست مجانا”.
ولا يستغرب الهاشم المبلغ الكبير الذي أعلنته الدوحة، فقد “دفعت مليار دولار إلى جماعات إرهابية في العراق في صفقة مشبوهة كان تحرير رهائن قطريين مجرد واجهة لها”، وهو ما وصف بأكبر فدية تعطى لإرهابيين في التاريخ.
وعادة ما تعطي الاستثمارات الأجنبية المباشرة ثقة أكبر في الاقتصاد، لكن “في حالة قطر وتركيا، فإن طرفي الاستثمار هنا بلدان لا يتمتعان بعلاقة جيدة مع الولايات المتحدة، وهو ما لا يشجع دول أخرى على ضخ استثمارات في تركيا خلال هذه الأزمة”، بحسب الخبير المالي في “آي جي ماركتس” أشرف الجرف.
وفي الحالة التركية، يخاطر الاستثمار القطري المباشر عادة ببيع الشركات للمستثمرين الأجانب الذين “لا يضيفون قيمة ويبحثون عن الخروج السريع من تقلبات العملة، واستهداف الربح السريع”.
أمر سحب من الحليف الآخر
لكن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد، بحسب الهاشم، فهناك “طلب سحب آخر ينتظر ماكينة الصرف الآلي القطرية في المستقبل القريب، لكن هذه المرة سيأتي من جانب طهران”.
ويعاني الاقتصاد الإيراني أزمة خطيرة، جراء إعادة الولايات المتحدة فرض العقوبات الاقتصادية بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الذي وقع في يوليو عام 2015، واستفادت منه طهران في مواصلة دعمها للميليشيات المسلحة في المنطقة وتطوير برنامجها الصاروخي.
وفي السابع من أغسطس الجاري، أعلن ترامب عن فرض حزمة أولى من العقوبات تشمل حظر شراء الحكومة الإيرانية للدولار الأميركي، وتجارة الذهب، ومبيعات السندات الحكومية.
ويقول الهاشم إن الدوحة باتت أمام حليفين “شحاذين ماليا بعد انهيارهما اقتصاديا. فيما لا يختلف وضعها كثيرا سوى امتلاكها سيولة متراكمة من بيع الغاز الطبيعي.