أخبار عربية – أسعد الأسعد
برزت في الآونة الأخيرة، منافسة قديمة متجددة بين قناتي “العربية” السعودية و”الجزيرة” القطرية، عندما قالت “الجزيرة” في تقريراً لها أن “العربية” أُجبرت على وقف بثها في بريطانيا بسبب شكوى تقدمت بها وكالة الأنباء القطرية ضدها، وهو ما نفته القناة.
لكن التنافس بين القناتين يعود إلى سنوات طويلة، واشتدت فعلياً مع بدء “الربيع العربي” عام 2011. ويبقى السؤال، أي قناة من الاثنتين هي الأفضل؟ سؤال قد تختلف إجابته لدى كل مشاهد، لكني اليوم سأعطي إجابتي وفق وجهة نظري المعززة بالأمثلة.
الربيع العربي والتغطية الموضوعية للأحداث
أطلقت “الجزيرة” على نفسها تسمية “قناة الشعوب” بسبب انحيازها الواضح لما عرف بـ “الربيع العربي” عام 2011. وقامت القناة بتقديم الدعم الإعلامي لإطاحة الرئيس المصري السابق حسني مبارك ووصول “الإخوان المسلمين” إلى الحكم في مصر، كما قدمت دعماً إعلامياً للاضطرابات في البحرين. ولم تخفي “الجزيرة” دعمها للثورة الليبية وسقوط نظام معمر القذافي. وفي اليمن، انقلبت القناة على مواقفها السابقة من الحوثيين فور انسحاب قطر من التحالف العربي بقيادة السعودية عام 2017.
أما سورياً، فخصصت القناة مساحة واسعة لنقل التظاهرات ضد نظام الأسد في بداية الثورة، إلا أنها قامت باستضافة قادة من الجماعات المتطرفة في السنوات اللاحقة، بمن فيهم قائد “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم “القاعدة”.
من جهتها، اتبعت قناة “العربية” سياسة أكثر حيادية في أزمات “الربيع العربي”، حيث غطت التظاهرات في مصر لكن دون تشويه صورة مؤسسات الدولة والقوات المسلحة. وفي تغطيتها لأحداث البحرين، كشفت القناة عن أعمال الشغب التي كانت تحصل، بالاضافة للانتهاكات بحق قوات الأمن هناك.
ولم تختلف تغطية “العربية” عن “الجزيرة” في بداية الأزمة السورية، إلا أنها اختلفت بشكل كبير مع تطور الأوضاع و”عسكرة الثورة”.. حيث دعمت القناة بشكل عام سياسة المعارضة السورية الممثلة بالمجلس الوطني (لاحقاً الائتلاف الوطني) والجيش السوري الحر، لكن مع التنبيه دائماً من خطر فكر الجماعات المتطرفة مثل “النصرة” ولاحقاً “داعش”.
ومع تظاهرات إيران نهاية عام 2017، اهتزت المقولة التي تعتبر “الجزيرة” قناة الشعوب، حين روجت القناة للتجمعات المؤيدة للنظام الإيراني.
التغطية المباشرة للأحداث الكبرى
هذا وتتناقض القناتين في طريقة تغطيتهما للأحداث الكبرى مباشرة على الهواء، ونعطي هنا بعض الأمثلة.
فقناة “الجزيرة” تفوقت على “العربية” بسرعة نقل الأخبار في محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا ليلة 15 يوليو 2016، حيث كان مراسليها منتشرون في اسطنبول وأنقرة.
ولعل ما حدث مع مراسل “الجزيرة” عمار الحاج على الهواء مباشرة حين كان يتحدث من ميدان تقسيم بوسط اسطنبول، وسمع صوت إطلاق نار ثم انفجار كبير ناتج عن خرق المقاتلات الحربية لجدار الصوت، سيبقى عالقاً في ذاكرة الكثيرين.
إلا أن العديد من المتابعين اتهموا القناة بالانحياز إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدرجة القول أن الأوضاع طبيعية في بداية محاولة الانقلاب.
من جانبها، تميزت تغطية “العربية” بالدقة والموضوعية، وكانت تجري مقابلات على مدار محاولة الانقلاب مع شخصيات تركية ومحللين سياسيين للقراءة في أسباب وتداعيات تلك المحاولة.
ووُجهت للقناة اتهامات بالانحياز إلى الانقلابيين على خلفية تعثر مذيعة الأخبار نيكول تنوري أثناء قرائتها لخبر، وقالت “ضباط من الجيش قاموا بمحاولة انقلاب ولكن للأسف.. شكراً لله تم إحباطها”. وعلقت تنوري لاحقاً على “زلة لسانها”، مؤكدة أنها هفوة لم تقصدها حين كانت تختصر كلام للرئيس التركي السابق عبد الله غول.
أما في الانتخابات الرئاسية الأميركية في 8 نوفمبر 2016، تفوقت تغطية “العربية” إلى حد كبير على تغطية “الجزيرة”، حيث استخدمت القناة تقنيات غير مسبوقة في عالم الأخبار. ومن بين تلك التقنيات، أضخم شاشة عرض افتراضية بالعالم بمساحة 22 ألف قدم مربعة، حيث تحول مبنى “العربية” البالغ طوله 30 متراً إلى ” video wall” ضخم.. في حين تحولت بحيرة “الميديا سيتي” الشهيرة في دبي إلى ملعب لكرة القدم، استعرضت فيها معلومات عن المرشحين وخرائط ومجسمات للبيت الأبيض والكونغرس!
ونقلت “العربية” الخبر العاجل الأسرع والأكبر في التاريخ، حين ظهر على مبنى القناة خبراً عاجلاً عملاقاً يقول: “دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة”.
أما “الجزيرة” التي كانت تغطيتها من داخل الاستوديو، تأخرت نحو ساعة كاملة لإعلان فوز ترمب.
الموقف من الإرهاب والتطرف
وفي ما يخص الجماعات الإرهابية، برز استضافة “الجزيرة” لعدد كبير من قادة تلك الجماعات، وبث تسجيلات صوتية وكلمات متلفزة لهم.
ومن أبرز قادة التنظيمات الذين ظهروا على شاشة “الجزيرة”:
- أسامة بن لادن (زعيم “القاعدة” المقتول)
- أبو محمد الجولاني (زعيم “جبهة النصرة” وهي فرع “القاعدة” في سوريا)
- حسن الدقي (قيادي بجماعة “الإخوان” في الإمارات)
وغيرهم.
أما “العربية” فخصصت برنامج “صناعة الموت” للإضاءة على خطر التنظيمات الإرهابية. ويتعاطى البرنامج بشكل دائم مع موضوع الإرهاب والتنظيمات المتطرفة وقضايا التطرف الفكري بشكل عام، حيث يتناول هذه الحركات وأفكارها بالرصد والتحليل ويستخدم شكل التحقيق التلفزيوني المدعّم بمناقشة مع مختصين.
التشابه بين البرامج
وعلى صعيد البرامج، نلاحظ تشابه كبير بين برامج القناتين.
فبينما تبث “العربية” برنامج “صباح العربية” منذ العام 2006، قامت “الجزيرة” عام 2016 بإطلاق برنامج “هذا الصباح” عبر شاشتها.
أما برنامج “تفاعلCOM” الذي تعرضه “العربية” منذ فبراير 2016، قامت “الجزيرة” بخلق برنامج مشابه له من حيث الاسم والمضمون في نوفمبر من العام نفسه، وهو “نشرتكم”، ويستعرض البرنامجين أبرز الأحداث والمستجدات من مواضيع تفاعل معها الناس على مواقع التواصل الاجتماعي.
التشابه قائم حتى في البرامج الساخرة.. فبعد أن بدأت “العربية – الحدث” بعرض برنامج “DNA” الشهير للإعلامي اللبناني نديم قطيش عام 2015، بدأت “الجزيرة” في العام 2016 برنامجها “فوق السلطة” الذي يقدمه الإعلامي نزيه الأحدب، ويعالج أحداث الأسبوع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بأسلوب ساخر.
الخلاصة
بوجهة نظري الشخصية، القناتين هما من الأفضل في الوطن العربي بمجال الأخبار، لكن تبقى “العربية” هي الأولى بسبب: سياستها المعتدلة، تغطيتها المتميزة، ومعاصرتها للتقنيات الحديثة التي يحتاجها إعلامنا العربي هذه الأيام.. ولا ننسى تركيزها على مبدأ “صحافة المواطن” عبر ابتكارها لتطبيق “أنا أرى” الذي أتاح للمواطنين تغطية آخر التطورات من حولهم وعرضها على الشاشة.
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لموقع “أخبار عربية”.